فصل: باب الوِتر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام



.باب الدّعاء بعد التشهد الأخير:

الحديث الأول:
عنْ أبي هُريرة رضيَ الله عَنْهُ قال: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّار وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمسِيحِ الدَّجَّالِ».
وفي لفظ لمسلم: «إذَا تَشَهَّدَ أحَدُكمْ فَلْيَسْتَعِذْ بالله مِنْ أرْبَع، يقول: اللهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ» ثم ذكر نحوه.
المعنى الإجمالي:
هذه أدعية عظيمة هامة، لأنها طلب الإعادة من أعظم الشرور وأسبابها. ولهذا عُنىَ بها النبي صلى الله عليه وسلم عناية خاصة.
فكان يدعو بها، ويأمر بالدعاء بها، وجعل موضع الدعاء بها، دُبُر الصلوات، لأته موطن إجابة.
وهى تشمل الاستعاذة، من عذاب القبر، وعذاب النار، ومن شهوات الدنيا وشبهاتها، ومن إغواء الشياطين عند الاحتضار، وفتن القبر التي هي سبب عذابه، ومن فتن الدجالين الذين يظهرون على الناس بصورة الحق، وهم متلبسون بالباطل.
وأعظمهم فتنة، الذي صحت الأخبار بخروجه في آخر الزمان، أعاذنا الله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
الأحكام المأخوذة من الحديث:
1- استحباب هذا الدعاء عقب التشهد الأخير كما هو صريح بتقييده بهذا المكان في صحيح مسلم.
2- أن هذه الاستعاذة من مهمات الأدعية وجوامعها، لكون النبي صلى الله عليه وسلم عُنِيَ بها، ولاشتمالها على الاستعاذة من شرور الدنيا والآخرة وأسبابها، ولذا أمر بتكريرها في هذه المواطن الفاضلة لرجاء الإجابة فيها.
3- ثبوت عذاب القبر وأنه حق، والإيمان به واجب، لاستفاضة الأخبار عنه بل تواترها.
4- التحفظ من شبهات الحياة وشهواتها الآثمة، فإنها سبب الشرور.
5- التبصر بدعاة السوء، وناشرى الإلحاد والفساد.
فإنهم يخرجون على الناس باسم المصلحين المجددين، وهم- في الحقيقة- الهادمون للفضيلة والدين.
6- المسيحِ مطلقا هو عيسى بن مريم عليه السلام، وإذا قيد بكلمة الدجال فهو رجل آخر.
7- فتنة المحيا: ما يتعرض له الإنسان مدة حياته من الانشغال بالدنيا والشهوات، وأعظمها سوء الخاتمة.
8- فتنة الممات: هي فتنة القبر كما ورد في البخاري عن أسماء بنت أبي بكر وإنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة الدجال.
الحديث الثاني:
عَنْ عبدِ الله بن عَمْرو بن العاص عَنْ أبي بَكْر الصدِّيقِ رضيَ الله تَعَالَي عَنْهُمْ: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلِّمْني دُعَاءً أدْعُو بِهِ في صَلاَتي. قَالَ: «قُلْ: اللَّهُم إني ظَلَمْتُ نَفْسي ظُلْما كَثِيراً، وَلاَ يَغْفرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، فَاغْفِر لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْني إِنَّك أنْتَ الغَفُور الرَّحِيمُ».
المعنى الإجمالي:
طلب أبو بكر الصديق من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه دعاء ليدعو به في صلاته فأرشده صلى الله عليه وسلم أن يدعو بهذا الدعاء النافع، لأنه اشتمل على الأسباب النافعة لحصول الإجابة.
فقد افتتح بالاعتراف بالظلم الكثير لنفسه والتقصير منها في جانب حق الله تعالى، ثم إفراد الله تعالى بإسداء المغفرة والستر والإحسان. وهذا يتضمن صدق الالتجاء وحرارة الطلب.
بعد هذه التوسلات النافعة، طلب منه المغفرة وحده، لأنه لا يقدر عليها غيره، ولا يجزل بهبتها سراه.
وفي هذا طلب ستر الذنوب، والسماح عن الزلات.
بعد هذه سأله الرحمة، التي هي الخير الكثير، وختم هذا الدعاء بالتوسل إليه بصفاته الكريمة، فإنه ما اتصف بالعفو والرحمة إلا ليجود بهما على عباده، لاسيما المقبلين عليه، الملتجئين إليه.
ما يؤخذ من الحديث:
1- استحباب هذا الدعاء في الصلاة.
2- حسن الدعاء وتناسبه. قال الصنعاني: ولا يخفى حسن هذا الترتيب في الدعاء، فإنه قدم نداء الرب واستعانته، من الاعتراف بالذنب، والاعتراف به أقرب إلى محوه. ثم الإقرار بالتوحيد لله، وحصر قضاء هذه الحاجة وهي غفران الذنب عليه، وقصر الطلب عليه أقرب إلى الإجابة، ثم سؤال غفران الذنوب والرحمة التي لا يخرج فيها شيء من أمور الدنيا والآخرة، ثم الختم لهذا الدعاء بهذين الاسمين.
3- أنه ينبغي لكل داع أن يفتتح دعاءه بالاعتراف بالعجز والتقصير والظلم، ثم يثنى على الله تعالى بأنه صاحب الطول والحول، ثم يقدم حاجته، ثم يختم دعاءه بشيء مناسب لدعائه من أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، وأن يكون تعرضه لله تعالى يناسب المقام الذي يريده.
4- فقه الصديق رضي الله عنه، إذ علم أن الصلاة موطن الإجابة، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار له دعاء لهذا المقام الكريم.
5- قال ابن دقيق العيد: لعل الأولى أن يكون موطن هذا الدعاء في السجود أو بعد التشهد، فإنهما الموضعان اللذان أمرنا فيهما بالدعاء. قال عليه السلام: «وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء»وقال في التشهد: ويستخير بعد ذلك من المسألة (أي الدعاء) ما شاء. وذكر الفاكهاني أن الأولى الجمع بينهما.
6- ولا يغفر الذنوب إلا أنت: قال ابن دقيق العيد: إشارة إلى طلب مغفرة متفضل بها من عند الله تعالى لا يقتضيها سبب من عمل حسن أو غيره. أهـ.
الحديث الثالث:
عَنْ عَاِئشَةَ رضيَ الله عنْهَا قَالت: مَا صَلَّى النبيُّ صَلَّى الله عَلْيهِ وَسَلّمَ صَلاَةً بَعْدَ أن نَزَلَت عَلَيْهِ: {إِذَا جاء نَصر الله وَالْفَتحُ}، إلا يَقُولُ فِيهَا: «سُبْحَانَكَ اللهم رَبّنَا وَبَحمْدِكَ، الَلهُم اغفر ْلي». وفي لفظ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِر ُأنْ يَقُولَ في رُكوعِهِ وَسجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللهُمَّ رَبّنا وَبِحَمْدِك، اللهُمَّ اغْفِرْ لي».
المعنى الإجمالي:
سورة النصر نزلت قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
فكان نزولها مؤذنا بوفاته، ولهذا ذكرت عائشة رضي الله عنها، أنها حينما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم. أخذ يتأولها بالعمل فإن الله سبحانه وتعالى ذكر فيها أنه إذا حصل فتح مكة، وصارت بلاداً إسلامية، وعرف الناس دين الله وشرائعه، وأقبلوا عليه راغبين فيه، غير مكرهين، فإنك أيها الرسول تكون قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونفذت ما أمرك الله به.
فلم يبق إلا أن تختم هذه العبادة الجليلة بالاستغفار، والتسبيح، والاستعداد للقاء الله تعالى.
فكان صلى الله عليه وسلم يكثر ذلك في سجوده وركوعه فيقول: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي».
فهذه الكلمات، جمعت تنزيه الله تعالى عن النقائص، مع ذكر محامده.
وبعد هذه التوسلات بهذه النعوت الجليلة، يطلب منه المغفرة، فإنه أهل التقوى وأهل المغفرة.
الأحكام المستنبطة من الحديث:
1- استحباب الإكثار من هذا الدعاء، في الركوع والسجود.
2- أن تختم العبادات- وخصوصاً الصلاة- بالاستغفار، ليتدارك ما حصل فيها من النقص.
3- أن أحسن ما يتوسل به إلى الله في قبول الدعاء، هو ذكر محامده وتنزيهه عن النقائص والعيوب.
4- أن المتعبد بهما، حرص على حفظ عباداته، فلا ينبغي أن يأمن من الزلل والنقص فيها.
5- فضيلة الاستغفار، وطلبه في كل حال.
6- ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن المشهور عن الإمام أحمد أنه لايدعو في الصلاة إلا بالأدعية المأثورة، وصرف التخير في قوله ثم ليختر من الدعاء ما شاء إن أن يختار من الأدعية التي وردت في الخبر، حينئذ فالدعاء المستحب هو الدعاء المشروع، أما إذا دعا بدعاء لا يعلم أنه مستحب، أو على أنه جائز غير مستحب فإنه لا تبطل صلاته بذاك وقد حصل مثل هذا من بعض الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه، وإنما نفى ماله فيه من الأجر.
فائدة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما دعاء الإمام والمأمومين جميعا عقب الصلاة، فلم ينقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يفعله في أعقاب الصلوات المكتوبات، كما كان يفعل الأذكار المأثورة عنه. ومن استحبه من العلماء المتأخرين في أدبار الصلوات فليس معهم في ذلك سنة، إلا مجرد كون الدعاء مشروعاً، وهو عقب الصلوات يكون أقرب إلى الإجابة، وهذا الذي ذكروه قد اعتبره الشارع في صلب الصلاة، فالدعاء في آخرها قبل الخروج منها مشروع منون بالسنة المتواترة وباتفاق المسلمين، والمصلي يناجي ربه فالدعاء حينئذ مناسب لحاله، أما إذا انصرف إلى الناس فليس موطن مناجاة له ودعاء، وإنما هو موطن ذكر له وثناء عليه. أهـ ملخصاً.
فائدة أخرى:
بناء على ما رجح من عدم مشروعية الدعاء بعد السلام من الصلاة، يظهر عدم مشروعية رفع اليدين في هذا الموطن. أما رفع اليدين في الدعاء في مواطن أخرى فهو مما جاءت به الأخبار والأحاديث الصحيحة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة. وقد ذكر البخاري طائفة من أحاديث رفع اليدين عند الدعاء في كتابه الأدب المفرد وقال الصنعاني: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلا منه رفع اليدين في الاستسقاء وفي الحج وفي غير ذلك، وحديث: «إن الله يستحي أن يرفع العبد يديه إليه فيردهما خائبتين» فمشروعية رفع اليدين عند الدعاء ثابتة بلا شك.

.باب الوِتر:

الحديث الأول:
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رضيَ الله عَنْهُمَا قال: سَألَ رَجُلٌ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: مَا تَرَى في صَلاَةِ اللَّيْلِ؟ قال: «مَثْنَى مَثْنَى فَإذا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلى».
وأنه كان يقول: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ باللَّيْلِ وِتْراً».
غريب الحديث:
- «مثنى مثنى» تأكيدٌ لفظيٌّ، لا لقصد التكرار، فإن ذلك مستفاد من الصيغة. أي اثنتين اثنتين، وهو غير منصرف للعدل والوصفية قال الزمخشري: وإعادة مثنى للمبالغة في التأكيد.
- الوتر: بكسر الراء أو فتحها يعنى الفرد.
المعنى الإجمالي:
سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب على المنبر، عن عدد ركعات صلاة الليل، والفصل فيها، أو الوصل.
فمن حرصه صلى الله عليه وسلم على نفع الناس، ونشر العلم فيهم، أجابه وهو في ذاك المكان. فقال: صلاة الليل مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين، فإذا خشي المصلى طلوع الصبح، صلى ركعة واحدة فأوترت له ما صلى قبلها من الليل.
ولكون الوتر خاتمة صلاة الليل، فالأحسن أن يكون صلاة آخر الليل، هي الوتر.
اختلاف العلماء:
ظاهر الحديث يقتضي عدم الزيادة في صلاة النافلة على ركعتين، عدم النقص عنهما، فإن مقادير العبادات أمر يغلب عليه التعبد، فالصلاة أمرها توقيفى، لايُتجاوز فيها ما أورده الشرع.
ولكن ورد أن الوتر قد يكون بركعة واحدة ثم يسبقها شيء، فقد روى الأربعة إلا الترمذي، وصححه الحاكم وابن حبان من حديث أبي أيوب أن النبي صلى الله عيه وسلم قال: «من أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاَث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل» ورجح النسائي وقف هذا الحديث.
كما صح عن جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بركعة واحدة لم يتقدمها صلاة شفع، فهذا تخصيص للحديث في نقص النافلة عن ركعتين في ركعة الوتر. أما الاقتصار على ركعة واحدة في النافلة في غير الوتر فعن أحمد فيه روايتان، والرواية التي عليها المذهب هي الجواز، أما الرواية الأخرى فهي المنع في التنفل بركعة واحدة، وهذا ظاهر ما يراه الخرقي وقد قواه ابن قدامة في المغنى بقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى» أما الزيادة على ركعتين في النافلةَ، فعلى الوتر من الليل جاء في الصحيحيِن حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرهن وأخرج أصحاب السنن من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» لكن قال الصنعاني: أكثر الأئمة أعلوا زيادة والنهار وقالوا: إن الحفاظ من أصحاب ابن عمر لم يذكروها عنه، وحكم النسائي على راويها بأنه أخطأ فيها، وهي من رواية علي الأزدي، قال ابن معين: مَن عَلى الأزدي؟
أما الزيادة في صلاة النهار فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى عند زوال الشمس أربعا ثم أربعا أخرجه الترمذي.
أما أقوال الأئمة في ذلك، فالإمام أحمد أجاز الزيادة في النافلة إلى أربع لهذا الحديث. والشافعي أجاز الزيادة بلا حد، ومالك لم يجز الزيادة على ركعتين عملا بحديث: «صلاة الليل مثنى مثنى» وقد جمع العلماء بين حديث عائشة الذي في الصحيحين وحديث ابن عمر الوارد في الصحيحين أيضاً، وذلك بالفصل بين كل ركعتين بتشهد وسلام. ويجوز الزيادة إلى القدر الوارد فقط.
ما يؤخذ من الحديث:
1- يستدل به على أن صلاة الليل ركعتان ركعتان، بلا زيادة ولا نقصان.
2- أن الوتر يكون آخر صلاة الليل لمن وثق من نفسه بالقيام.
3- أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر.
4- الأفضل أن الوتر يكون بعد صلاة شفع. فتقديم شفع قبل الوتر هو السنة. والاقتصار في الوتر على ركعة واحدة لم يتقدمها شفع جائز، فقد جاء في حديث أبي أيوب مرفوعا: «ومن شاء أوتر بواحدة» رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم. وصح عن جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة من غير تقدم نفل قبلها.
5- إجابة السائل على مشهد من الناس لتعميم الفائدة.
6- استحباب الوتر، وقد قيل بوجوبه، الراجح أنه ليس بواجب، لكنه من أفضل التطوعات، لكثرة النصوص في الأمر به وفضله، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه في حضر ولا سفر.
الحديث الثاني:
عَنْ عَائِشَةَ رضيَ الله عَنْهَا قالَتْ: مِنْ كُل الليل قَدْ أوتَر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، مِنْ أوَّلِ الليلِ، وَأوْسَطِهِ وَآخِرِهِ فانتهَى وترهُ إِلى السَّحَرِ.
المعنى الإِجمالي:
يدخل وقت الوتر من الفراغ من صلاة العشاء، وينتهي بطلوع الفجر، ولذا فإن النبي صلى اله عليه وسلم، قد أوتر أول الليل، وأوسطه، وآخره.
ولكون إيقاعه في آخر الليل أفضل، استقر وتره في السحر، ليختم به صلاة الليل.
الأحكام:
1- جواز صلاة الوتر في أول الليل، وأوسطه، وآخره، لأن الجميع وقتها.
2- أن الأفضل أن يكون وتره في آخر الليل، لمن وثق من نفسه بالقيام.
اختلاف العلماء:
اتفق العلماء أن ابتداء وقته بعد صلاة العشاء، واختلفوا في نهايته فذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد، إلى أن نهايته صلاة الصبح. وذهب الإمام أحمد في المشهور من مذهبه إلى أن وقته ينتهي بطلوع الفجر، وجزم بها في المغنى، وعليها الحنابلة المتأخرون، وقال في المغنى: إنه يكون بعد الفجر قضاء، وممن ذهب إلى هذا صاحبا أبي حنيفة، والثوري، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: من نام عن صلاة وتره يصليه ما بين طلوع الفجر وصلاة الصبح، كما فعل ذلك ابن عمر وعائشة وغيرهما. وقد روى أبو داود بسنده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله: «من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر».
الحديث الثاني:
عَنْ عَائِشَةَ رضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِن الَّليل ثلاثَ عَشْرَةَ رَكْعةً، يُوتِرُ مِنْ ذلِكَ بِخَمس، لاَ يَجْلِس في شَيءٍ إِلا في آخِرِهَا.
المعنى الإجمالي:
تصف عائشة رضي الله عنها، صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، بأنه يصلي ثلاث عشرة ركعة.
فيصلى الثمان الأول ركعتين ركعتين، ثم يصلي خمساً في سلام واحد، لايجلس إلا في آخرها، ويجعلها وتره.
فائدة:
اختلفت الروايات عن عائشة في كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد روى: سبعاً، وتسعا، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وغير ذلك. وروي عنها في الصحيحين أنه: «ما كان يزيد على إحدى عشرة ركعة». وأحسن ما يجمع بينهن، أن الرواية بعدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة هو الأغلب من صلاته، وقد يزيد وقد ينقص، حسب النشاط وعدمه، أو لقصد التعليم وبيان الجواز.
الأحكام المستنبطة من الحديث:
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يجعل صلاته في الليل ثلاث عشرة ركعة، من دون ركعتي الفجر.
2- وأنه يوتر في بعض الأحيان من صلاته، بخمس ركعات، لا يجلس إلا في آخر ركعة منها.
3- أن المراد، بكون صلاة الليل مثنى مثنى في غير الوتر.
فإنه صلى الله عليه وسلم، قد يصلى سبعاً، لا يجلس إلا في آخرها، وقد يصلى خمساً، لا يجلس إلا في آخرها، وقد يصلى تسعاً يتشهد في الثامنة منها بلا سلام، ثم يصلى التاسعة، ويتشهد، ويسلم.
4- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل، وأوكد ذلك الوتر وركعتا الفجر.
5- وقال بعد أن ذكر وجوه الوتر الواردة في السنة. والصواب أن الإمام إذا فعل شيئا مما جاءت به السنة، وأوتر على وجه من الوجوه المذكورة يتبعه المأموم في ذلك.
6- قال المحاملى: صلاته صلى الله عليه وسلم ستة أنواع:
أ- ركعة واحدة. ب- ثلاث ركعات مفصولة.
جـ- خمس ركعات لا يقعد إلا في آخرهن ويسلم.
د- سبع ركعات يقعد في السادسة ولا يسلم ثم يقوم إلى السابعة ويتمها.
هـ- تسع ركعات يتشهد في الثامنة ولا يتمها، ثم يقوم إِلى التاسعة فيتمها.
و- إحدى عشرة ركعة، يسلم في كل ركعتين. ثم يأتي بواحدة.

.باب الذكر عَقب الصَّلاة:

للدعاء والاستغفار بعد الصلاة، حِكَمٌ عظيمة، وفوائد جليلة من إظهار التقصير والعجز عن إكمالها، وترقيع الخلل الواقع فيها، وعقب الصلاة من مواطن استجابة الدعاء.
كما أنه دليل على الرغبة في الطاعة وعدم الملل، لأن المتعبد كالحالِّ المرتحل بين العبادات، مع مافي الدعاء من زيادة الحسنات، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات.
الحديث الأول:
عَنْ ابْن عَبَّاس رضيَ الله عَنْهُمَا أنَّ رَفْعَ الصوت بالذِّكْرِ حِين يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ المَكْتُوبَةِ- كان عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابنُ عبَّاس: كُنْتُ أعْلَمُ إِذَا انصَرَفُوا بِذلك إِذَا سَمِعْتُهُ.
وفي لفظ: «مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقضَاءَ صَلاةِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتَّكبِير» متفق عليه.
المعنى الإجمالي:
يذكر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير وذكر الله تعالى بعد انصرافهم من الصلوات الخمس المفروضة، ولذا فإنه كان يعرف انقضاء صلاتهم برفع أصواتهم به.
ما يؤخذ من الحديث:
1- استحباب الذكر بعد الصلاة، لما فيه من الفوائد الجليلة والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم.
2- أن يرفع الذاكر صوته بالذكر، لفعله صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه معه.
3- يحتمل أن يكون ابن عباس صغيراً لم يحضر الجماعة، فسمع صوتهم بالتهليل وهو خارج المسجد.
ويحتمل أنه يحضر الجماعة، ولكن الصفوف بعيدة، وليس هناك مُبلِّغ، فكان لا يعلم بانقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بسماع التهليل من الصفوف الأوَلى.
الحديث الثاني:
عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرةِ بْنِ شُعْبَةَ قال: أمْلَى عَلَىَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ في كِتَاب إِلَى مُعَاوِيَةَ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَقُولُ في دُبُرِ كُلِّ صلاَةٍ مَكتُوبَةٍ:
«لاَ إلهَ إِلاَّ الله وَحدَهُ لاَشَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ ولهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير: الَّلهُمَّ لاَمَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِى لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنفعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الَجْدُّ».
ثمَّ وَفَدتُ بَعْدَ ذلِكَ عَلَى مُعاوِيَةَ،. فَسَمِعْتُهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذلِكَ.
وفي لفظ: «كانَ يَنْهَى عَنْ قِيل وَقَالَ. وَإِضَاعَةِ المَالِ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالَ»
وكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأمَّهَاتِ، وَوَأد البَنَاتِ وَمَنْعٍ وَهَاتِ.
غريب الحديث:
دبر كل صلاة: بضم الدال أو فتحها مع إسكان الباء أي آخرها، والمراد بعد السلام.
مكتوبة: أي مفروضة، والمراد الصلوات الخمس. ومكتوبة قيد للرواية المطلقة.
ولا ينفع ذا الجد منك الجد: الجد- بفتح الجيم- ومعناه، الحظ والغنى. أي لا ينفع صاحبَ الحظ والغنى منك غناه وحظه.
ووأد البنات: دفنهن وهن على قيد الحياة. وكان بعض العرب يفعل ذلك في الجاهلية إما خوفاً من العار، أو الفقر.
ومنع وهات- أي بخل بالمال عن الإنفاق في وجوهه المشروعة وحرص شديد على جمعه.
وعقوق الأمهات: قال في المحكم عقِّ والده يعقه عقًّا وعقوقاً، شق طاعته، وقد يعم بلفظ العقوق، جميع الرحم. والمراد صدور ما يتأذى به الوالد من ولده، وذلك بالقول أو الفعل.
عن قيل وقال: الأشهر فتح اللام في قيل على الحكاية.
مانع ومعطى- الرواية فيهما الفتح، وحقهما النصب، كحكم المضاف. ولكن خرج على إجراء الشبيه بالمضاف إجراء المفرد.
المعنى الإجمالي:
كتب معاوية بن أبى سفيان إلى المغيرة بن شعبة- وكان أميره على الكوفة- أن اكتب لي بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه المغيرة رضي الله عنهما بهذا الحديث، الذي جمع أنواع التوحيد والثناء على الله، وإثبات التصرف والقهر بيد الله. كما اشتمل على حكم نبوية جليلة.
فذكر المغيرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم- بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة- يوحد الله بِنَفْي كل معبود سواه، ويثبت العبادة لله وحده، لأنه الواحد الذي ليس له شريك في ملكه وعبادته، وأسمائه وصفاته، وأن التدبير كله بيده. فلا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع، ولا يغني صاحب الحظ، والغنى، حظه وغناه، منه شيئاً.
ثم أخبر المغيرة معاوية رضي الله عنهما، بأنه ينهى عن هذه الخصال الذميمة. فينهى عن لَغو الحديث، والكلام فيما لا ينفع، وعن إضاعة المال الذي جعله الله قياما للناس في الطرق التي لا تعود بفائدة دينية أو دنيوية، وعن كثرة السؤال لمن عنده من المال ما يكفيه. وكذلك التعنت والجدل في المسائل العلمية.
كما ينهى عن عقوق الأمهات، اللاتي يجب بِرُّهُنَّ وإكرامهن، لما لهن من الفضل الكبير.
وعن هذه العادة السيئة التي هي دفن البنات وهن حيَّات، لسوء الظن بالله تعالى، وخشية الفقر إذا شاركنهم في طعامهم.
وهذه عادة تدل على القسوة والشح، وعدم الثقة بالله الرزاق لكافة المخلوقات.
وينهى عن الشح والبخل بما عنده في طرق الخير، والحرص الشديد على جمع المال، والنهي في تحصيله من أي طريق.
ما يؤخذ من الحديث:
1- استحباب هذا الدعاء عقب الصلوات المكتوبات.
2- اشتمل هذا الدعاء على توحيد الله ونَفْى الشريك معه، وإثبات الملك المطلق، والحمد الكامل والقدرة التامة له سبحانه وتعالى، كما أن فيه توحده بالتصرف والقهر، وأن كل شيء بيده، فقد جمع توحيد الألوهية والربوبية، والأسماء والصفات.
3- النهى عن هذه الخصال الذميمة، لما تشتمل عليه من مفاسد دينية ودنيوية.
4- إذا عرف المؤمن أن الله هو المعطى المانع، تعلق قلبه بالله تعلقا تاما، وصرف النظر عن غيره.
5- مسارعة الصحابة رضي الله عنه إلى تنفيذ سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإن معاوية رضي الله عنه لما بلغه هذا الدعاء، أمر الناس بالعمل به.
6- فيه العمل بالحظ المعروف، وهو مسألة اتفاقية في جميع الأغراض وأن الله لم يأمر بالعمل بها إلا ليعمل بها.
7- قبول خبر الواحد.
8- النهى عن إضاعة المال، أي إنفاقه في غير الطرق المشروعة، فقد جعل الله الأموال لقيام مصالح الناس، في تبذيرها تفويت لتلك المصالح، وطرق الإنفاق ثلاث، فهناك الإنفاق المذموم هو بذل المال في الأمور المذمومة شرعا سواء أكان قليلا أم كثيرا. والإنفاق المحمود هو بذله في الخير والبر، ما لم يفوت حقا آخر أهم منه، أما الثالث فهو الأنفاق في المباحات وملاذ النفس المباحة، فالجائز أن ينفق كل على قدر حاله بدون إسراف.
الحديث الثالث:
عَنْ سُمَىّ مَولى أبى بَكر عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الحارثِ بْنِ هِشَامِ عَنْ أبى صَالِح السَّمّانِ عَنْ أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه أنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرينَ أتُوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله ذَهَبَ أهْلُ الدُّثور بالدَّرَجَاتِ الْعُلى، والنَّعِيمِ الْمُقِيمِ.
قَالَ: وَمَا ذَاَكَ؟ قَالُوا: يُصَلّونَ كَما نُصَلِّى، وَيَصُومُونَ كمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ ولا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلاَ نُعْتِقُ.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَفَلاَ أعَلِّمُكمْ شَيْئَاً تُدْركونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكْم وَتَسْبِقُونَ مَن بَعْدَكُمْ وَلاَ يَكُونُ أحَد أفضَلَ مِنْكُمْ إلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعتُمْ؟» قَالوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله.
قال: «تُسَبِّحُونَ وَتُكِّبرونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ مَرَّة».
قال أبو صالح: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إلَى رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالوا: يَا رَسُولَ الله، سَمِعَ إخْوَانُنَا أهْل الأمْوَالِ بِماَ فَعَلنَا فَفَعَلوا مِثْلَهُ, فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ».
قَالَ سُمَىّ: فَحَدَّثْتُ بَعْضَ أهْلِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: وَهَمْتَ إِنَّمَا قَالَ: تُسبِّحُ الله ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَتُكَبِّرُ الله ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ وَتَحْمَدُ الله ثَلاَثاً وَثلاَثِينَ.
فَرَجَعْت إٍلى أبي صَالِح فَذَكَرتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: قُلْ: الله أكْبَرُ وَسُبْحَان الله والْحَمدُ لله، حَتَّى تَبْلُغَ مِنْ جَمِيعِهِنَّ ثَلاَثَاً وَثَلاثِينَ رواه مسلم.
المعنى الإجمالي:
معنى هذا الحديث الجليل هو أن فقراء الصحابة رضي الله عنهم، شعروا بسبق إخوانهم الأغنياء بالأعمال الصالحة، بفضل قيامهم بحقوق أموالهم الشرعية فغبطوهم وتَمَنَوا لو كان لهم من العمل مثل ما لأولئك الأغنياء.
فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكون مصيبتهم في فقد الأجر، فأرشدهم إلى هذا الذكر، الذي ينالون به أكثر مما فاتهم من العبادات المالية.
لما قاموا- بهذا الذكر، سمعهم الأغنياء ففعلوا مثلهم.
فجاء الفقراء مرة أخرى، يشكون حالهم، بأن الفضيلة التي اختصوا بها وأرادوا أن يعوّضوا بها نقص العبادات المالية فعلها الأغنياء، فأصبحوا يشاركونهم في العبادات القلبية والبدنية، ويمتازون عليهم في العبادات المالية.
فقال صلى الله عليه وسلم: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فهو الذي يقسم الأرزاق والهداية، حسب حكمته، وهو الحكيم العليم.
ما يؤخذ من الحديث:
1- رغبة الصحابة رضي الله عنهم الشديدة في الخير، وتنافسهم بالأعمال الصالحة.
فالفقراء، شق عليهم حرمانهم من العبادات المالية، والأغنياء لم يكتفوا بغناهم عن مشاركة الفقراء في كل أبواب الخير. ولعل الله يعطى الفقراء بفضله وكرمه من الأجر على نيتهم الطيبة.
2- الحديث يدل على فضل الغنى الشاكر على الفقير الصابر، لما له من الأعمال.
وهذه مسألة طويلة الخلاف، بين العلماء.
3- أن الإنفاق: في سبيل الخير سبب رفع الدرجات. قال ابن القيم: فالغنى إذا اتقى الله في ماله، وأنفقه في وجوهه، وليس مقصورا على الزكاة بل مما حقه اشباع الجائع وكسوة العاري وإغاثة الملهوف، ورعاية المحتاج- والمخطر، فطريقه طريق الغنيمة، وهي فوق السلامة فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر الفقراء على ماللأغنياء من هذه الرفعة بسبب إنفاقهم.
4- فضل هذا الذكر المذكور في هذا الحديث. حيث كان سبباً في سبق من يقوله في أدبار الصلوات في الثوب، وأنه لا يلحقه أحد، إلا من عمل مثل عمله. لما يحصل لنفسه من تطهير ولأخلاقه من رياضة.
5- أن الهداية والرزق بيد الله، فهو الذي يقسمها بين عباده، فينبغي أن يرضى بقسمة الله تعالى.
6- مشروعية هذا الذكر، بعد الصلوات المكتوبات، كما ورد في بعض الروايات تقييده بالمكتوبة، وأن يكون بهذه الصيغة. فالتسبيح يتضمن نفي النقائص عن الله تعالى، ثم التحميد المثبت له الكمال ثم التكبير المثبت له صفات العظمة. واستظهر ابن القيم أن تكون الثلاث والثلاثون من جميع كلمات التسبيح والتحميد والتكبير.
الذكر بعد الصلاة:
وهو فقرات من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، قال رحمه الله تعالى: في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان قبل أن ينصرف يستعيذ ثلاثا، ويقول: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباكت يا ذا الجلال والإكرام» وفي الصحيح أنه كان يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون» ويعلمهم أن يسبحوا ثلاثا وثلاثين، ويحمدوا ثلاثا وثلاثين، ويكبروا ثلاثا وثلاثين، فتلك تسع وتسعون، وتمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ولاريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وما سواها من الأذكار قد يكون مكروها، وقد يكون محرما، وقد يكون فيه شرك لا يهتدي إليه أكثر الناس.
والذكر من أفضل العبادات، ولذا قالت عائشة: الذكر بعد الانصراف من الصلاة هو مثل مسح المرآة بعد صقالها فإن الصلاة تصقل القلب. وليس الذكر عقب الصلاة بواجب، فمن أراد أن يقوم قبله فلا ينكر عليه، ولكن ينبغي للمأموم ألا يقوم حتى ينصرف الإمام عن القبلة، ولا ينبغي للإمام أن يقعد بعد السلام مستقبل القبلة إلا بمقدار ما يستغفر ثلاثا: ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباكت ياذا الجلال والإكرام وعد التسبيح بالأصابع سنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: «سبحن واعقدن بالأصابع، فإنهن مسؤولات مستنطقات».